في مقال تحليلي نشره الخبير الاقتصادي الفلسطيني محمد سمحوري، يستعرض الكاتب الوضع الإنساني الكارثي في غزة بعد واحد وعشرين شهرًا من الحرب الإسرائيلية. ويبدأ بعرض تطورين رئيسيين طرآ مؤخراً: الأول هو الجوع المتفاقم الذي يهدد حياة أكثر من مليوني فلسطيني، والثاني هو انطلاق "مؤسسة غزة الإنسانية"، بدعم أمريكي وإسرائيلي، كبديل مرفوض للنظام الإغاثي الذي كانت تقوده الأمم المتحدة.

يفتتح المقال الذي نشره المركز العربي واشنطن دي سي، بشرح مأساوي لحالة الفوضى والقتل المحيط بمراكز توزيع الغذاء التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية، حيث قتل أكثر من 670 فلسطينيًا حتى منتصف يوليو 2025، في محيط هذه المواقع نتيجة إطلاق نار مباشر من القوات الإسرائيلية أو الحراس الأمريكيين المسلحين. المساعدات الغذائية تصل إلى السكان بشكل مهين وعشوائي، وتكاد لا تفي بالحد الأدنى من الاحتياج، ما دفع مفوض الأونروا لوصفها بـ"مصيدة موت".

تصف تقارير أممية وحقوقية تلك المواقع بأنها عسكرية وغير آمنة، وتشير إلى أن هذه الآلية الإسرائيلية الجديدة لتوزيع الإغاثة تتجاهل المبادئ الإنسانية الأساسية، وتُقصي وكالات الإغاثة الأممية والمنظمات الدولية التي تمتلك خبرة طويلة في العمل داخل القطاع. إسرائيل برّرت هذه الخطوة باتهام حماس باختلاس المساعدات، بينما رفضت جهات دولية عدة هذا الادعاء، بينها برنامج الأغذية العالمي ومبعوثون أمريكيون سابقون.

يربط الكاتب بين إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية وخطة أوسع لتغيير الوضع الديموجرافي والجغرافي في غزة. الحرب دمّرت البنية التحتية للقطاع، وأدت إلى مقتل أكثر من 58 ألف شخص وتشريد نحو 90٪ من السكان. الحياة في غزة توصف الآن بأنها "جحيم على الأرض"، مع انهيار شبه كامل للزراعة، والخدمات الطبية، والتعليم، والمياه.

في يناير 2025، وبعد هدنة قصيرة بين إسرائيل وحماس، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعمه لفكرة "تطوير غزة" وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، بشرط تهجير السكان إلى دول أخرى. هذا التوجّه، مدعوم من اليمين الإسرائيلي، يتجلى في استراتيجية عسكرية تسعى إلى تقليص مساحة سكن الفلسطينيين إلى 25٪ فقط من القطاع، مع فرض سيطرة أمنية إسرائيلية على المساحة المتبقية.

في مايو 2025، أطلقت إسرائيل عملية "مركبات جدعون"، ترافقت مع قصف واسع النطاق، وهدم منظم للبنية التحتية، وتعطيل كامل لحركة المساعدات. تقارير الأمم المتحدة ومنظمات دولية أكدت أن نصف مليون فلسطيني في غزة يواجهون خطر المجاعة المباشرة، مع وجود أطفال يعانون من سوء تغذية حاد بثلاثة أضعاف المعدلات السابقة.

يشكّك الكاتب في قدرة إسرائيل على تنفيذ خطتها، لأسباب عدة: أولها فشل مؤسسة غزة الإنسانية كمؤسسة إغاثية فاعلة؛ ثانيها عدم وجود دولة واحدة مستعدة لاستقبال مهجّري غزة؛ ثالثها استحالة حشر 2.1 مليون إنسان في 25٪ من مساحة قطاع مدمَّر أصلًا.

ينهي الكاتب مقاله بدعوة إلى وقف فوري للعدوان، وإلغاء مؤسسة غزة الإنسانية وفتح المعابر لإدخال المساعدات، وعودة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية إلى القطاع. كما يشدد على ضرورة التوصل إلى اتفاق دائم ينهي الحرب ويوفر حلاً سياسياً قابلاً للحياة، دون ذلك، قد تسير غزة نحو مستقبل أشد ظلمة، يتجلى في خطط تحويلها إلى "مدينة إنسانية" على أنقاض رفح، تُدار بمنطق الحصار والتجويع الدائم.

ويسلط المقال الضوء على فشل المجتمع الدولي في استخدام أدواته السياسية والاقتصادية لوقف الكارثة، ويترك السؤال مفتوحًا: هل تسير غزة نحو الخلاص، أم نحو نهاية أكثر سوداوية؟

https://arabcenterdc.org/resource/starved-ruined-and-displaced-whats-next-for-gaza/